بعد أيام من الحصار، اجتاح المغول بغداد في كانون الثاني 1258 م، دمّروا تلك المدينة التي كانت أعظم حاضِرة في العالم لنحو خمسة قرون. استمرَّ النهب والقتل لعشرةِ أيام، راح ضحيته مئات آلاف المدنيين، ودُمِّرَت عشرات المكتبات بضمنها، مكتبة بيت الحكمة الشهيرة، وأُلقيَت كتبها في دجلة، لدرجة إن الأسطورة تقول بأن لون النهر قد تحوَّل للون الحبر الأسود (لا يوجد مصدر مؤكد لذلك).
لم تكن هذه الحادثة الوحيدة التي تُدمَّر فيها المكتبات، فخلال الغزو الأمريكي لبغداد عام 2003، قام الناهبون بنهب وإحراق عشرات المكتبات في بغداد، بضمنها دار الكتب والوثائق، وهي كنز من الوثائق التاريخية. وفي عام 2015 أقدم تنظيم داعـ ـش على إحراق مكتبة الموصل المركزية، وآلاف الكتب في محافظة الأنبار.
وكما احترقت مكتبة بيت الحكمة، وضاع معها جزء ليس بالقليل من علوم ومعارف البشرية آنذاك، احترقت مكتبة الإسكندرية عام 47 ق.م، فأثناء إحدى معارك يوليوس قيصر ضد شقيق كليوباترا بطليموس الثالث عشر – كان زوجها أيضاً – التهمت النيران القسم الأكبر من مكتبة الإسكندرية التي وصفت بـ”فردوس المعرفة”، والتي كانت تحتوي على آلافٍ من لفائف البردي.
عبر التاريخ مثَّلَ إحراق المكتبات أحد أنواع الإبادة الثقافية، ويعود لأزمنةٍ سحيقة من تاريخ البشرية الدموي، ولكن كان هنالك ملجأً واحداً بقيت فيه الكتب بأمان، ففي أواخر القرن العاشر للميلاد، قام وزير فارس الأكبر عبد القاسم إسماعيل، بإنشاء مكتبة جوّالة، كانت المكتبة تلك عبارة عن قافلة تمتد كيلومترين طولاً، وتضم أربعمائة جمل تحمل مائة وسبعة عشر ألف كتاب، وكانت الجمال تُستخدَم كذلك فهرساً للكتب، حيث كل مجموعة من الجمال تحمل العناوين التي تبدأ بواحد من الحروف الأبجدية الفارسية الاثنين والثلاثين.
منتصف القرن العشرين، ظهر ما يُعرَف برقمنة الكتب، أي تحويل الكتب الورقية إلى صيغ إلكترونية، يمكن قراءتها عبر الحواسيب، وتطورت فيما بعد للأجهزة اللوحية وأجهزة الموبايل. أحدث الأمر نقلة في أساليب القراءة، ولكن هذه الشاشات لم تكن مخصصة للقراءة المطوَّلة كما الكتب؛ حيث تُسبِّب بعض المشكلات للعين، في مقدّمتها الجفاف. حُلَّتْ تلك المشكلة في عام 2007، عندما أنتجت شركة أمازون الأمريكية أول جيل من جهاز كيندل، نفدت أعداده بعد نحو خمس ساعات من إطلاقه، وهو عبارة عن جهاز لوحي، بإمكانهِ تحميل آلاف الكتب الرقمية، يتميز بشاشة مريحة للعين، تستخدم خاصية الحبر الإلكتروني. أحدث هذا الجهاز ثورة في عالم القراءة والكتب، وصار مكتبة جوّالة تُحمَل باليد أو توضع بالجيب.