محمد الياسري/ حزيران 2023/ شبكة نيريج
لا يمكن أن يمر فلاح صلاح (19 سنة) بقامته القصيرة والهزيلة بجوارك، وهو يجر خطاه بتثاقل في شوارع البصرة، إلا وتلحظ الإرهاق الشديد على ملامح وجهه، كأنه كهل مريض.
يضرب يده على صدره بقوة، ويقول لك بكل صراحة إنها “مادة الكريستال المخدرة .. فعلت بي هذا!”. يصمت قليلاً لكي يرى تأثير الصدمة على وجهك، قبل أن يضيف مستدركاً بشيء من الفخر:”لكنني تعافيتُ من الإدمان”.
يصف ناشطون وضباط أمن، الوضع في البصرة بالخطير من ناحية انتشار شبكات ترويج المخدرات وسهولة الحصول عليها ومع اعداد المتعاطين التي تتزايد بقفزات، في ظل محدودية مصحات التأهيل وفشل حملات اعتقال الرؤوس الكبيرة رغم الاعتقالات التي تطال “مروجين ومتعاطين” حتى زادت اعداد القابعين في السجون على أربعة آلاف شخص، وهم نقطة في بحر المتعاطين والمروجين.
يروي فلاح الذي يسكن مع والديه وأربعاً من أشقائه في منزل متهالك في حي الجمهورية بالبصرة، كيف ابتلي بالتعاطي، بعد ان توقف عن الدراسة في الصف الثالث المتوسط، وخرج إلى الشارع بائعاً جوالاً بسبب ظروف عائلته الصعبة التي لم تقو على تحمل تكاليف تعليمه مع أشقائه، وهناك في جنبات الأسواق والأزقة بدأت قصته.
يقول، كنت اختلط بمجموعة من المراهقين، أحدهم كان يوزع الكريستال مجاناً أيامها، فجربتها. ويوضح هي “مادة سائلة يتم وضعها في انبوب زجاجي، ويتم تسخينها واستنشاق الدخان المنبعث منها.. انها اليوم الأكثر رواجاً في البصرة”.
بعدها أخذت أشتريها منه، يضيف “ويوماً بعد آخر أدمنتها.. تعاطيتها لأكثر من سنتين، وساءت حالتي الصحية كثيراً، لكن عائلتي تدخلت في نهاية الأمر، ودخلتُ مركزاً للتأهيل، وها أنا ذا لم اتناول أية حبة منذ خمسة أشهر، ولن أرجع اليها مطلقاً”.
فلاح مازال يجوب شوارع البصرة، حيث تنتشر المخدرات بكثافة، لكن كمندوب تسويقي في شركة لبيع منظومات فلترة مياه الشرب، ويتمنى لو كانت لديه المقدرة على مساعدة مدمني المخدرات، كما حصل هو على المساعدة وعاد إلى حياته سوياً، وفقاً لتعبيره.
بناءً على تجربته، يعتقد فلاح، بأن المخدرات تنتشر بسرعة كبيرة “وبات يتعاطاها مئات الآلاف” لأن هناك شبكات وقوى كبرى تقف خلف ترويجها، ولأن الشاب المحبط لا يجد طريقة لنسيان همومه، فحتى المشروبات الكحولية ظلت في حكم الممنوعة بالبصرة حتى قبل ان يدخل الحظر القانوني لها حيز التنفيذ في شهر مارس/آذار 2023.
يقول عن ذلك:”كانت هنالك حانات ونواد ليلية مرخصة، تم غلقها، حتى قبل صدور القانون بفترة طويلة، بقرار من مجلس المحافظة، فتوجه الكثير من الشباب نحو المواد المخدرة لأن الحصول عليها أكثر سهولة من الحصول على الكحول”.
ويضرب مثالاً ليوضح كيف أن توزيع المخدرات سهل في البصرة: “يقفون بسياراتهم على جانب الطريق حيث تنتظر، يعطونك المادة ويأخذون ثمنها ثم يكملون طريقهم”.
تنقبض ملامح وجهه وتتراخى لمرات عدة وبنحو فجائي، يمرر يده على جبهته ويقول بخجل: “هذا أيضاً بسبب الكريستال اللعين”. ويتابع: “أسعار الحبوب اليوم أقل من أسعار الكحول، لأن بيعها أصبح محدودا وسرياً، واذا كان المخدر يمكن اخفاؤه بسهولة، فان المشروبات لا تملك هذه الميزة”.
صبري، مدمن آخر، في الثانية والثلاثين من عمره، مضى على ادمانه خمس سنوات، يوافق فلاح الرأي، ويرى من وحي تجربته، ان خطط الترويج للمخدرات ما كانت لتكتمل ما لم يتم محاربة المشروبات اجتماعيا وقانونيا “فعلوها باسم الدين والعيب والحرام، ونجحوا في ذلك!”.
يروي فلاح وصبري، كيف ان الكثير من الشباب، كانوا يتناولون المشروبات الكحولية في الجزرات الوسطية لبعض الشوارع والحدائق العامة، لكن بعد أن تمت ملاحقتهم، انزوا الى الأوكار، وهي عبارة عن منازل يستأجرها مجموعة من الشباب في المناطق الشعبية العشوائية، يتعاطون فيها الكحول والمخدرات على حد سواء.
تلك الأوكار، تتزايد أعدادها باستمرار، وسط ما يشبه التوافق الأمني المجتمعي على التستر عليها، فباتت مساحات آمنة يستخدمها مروجو المخدرات في البصرة، ومدارس يتعلم بها أولئك الشباب كيف يصبحوا مدمنين.
“كل واحد يخرج ما في جعبته، ويقدمها للآخرين ليتشاركوا بها، وهنا يمرر المروج سلعته لتنتشر سريعا بعيدا عن اي رقيب” يقول فلاح.
ثم يضيف “اعداد مروجي المخدرات كبير في البصرة، وهم يتواجدون في كل مكان يتواجد فيه مراهقون، حتى في المدارس، وآلية عملهم تجري حسب تسلسل هرمي، اعلاه التجار الكبار، ومن ثم تجار اقل مستوى، وكل تاجر يوظف عدد من المروجين ينتشرون في المدينة ويوزعون المواد المخدرة بأريحية”.
عجز حكومي
يؤكد ضابط شرطة برتبة مقدم في شعبة مخدرات البصرة، ما قاله فلاح، ويعبر عن أسفه لأن معوقات تواجه جهاز مكافحة المخدرات في المحافظة، ويقول بأن: “تجار المخدرات يطورون اساليبهم كل يوم ونحن نفتقر الى الوسائل الداعمة، فالدورات التطويرية لعناصرنا لا ترتقي الى المستوى المطلوب، حتى الأليات والتجهيزات التي تسهل من مهامنا الشاقة في مواجهة هذهِ الآفة الخطرة دون المطلوب، بالإضافة الى ضعف الرقابة على الحدود وعدم وجود كاميرات حرارية أو ابراج تغطي المناطق التي يتم تهريب المواد المخدرة عبرها مثل الفاو وابي الخصيب والسيبة”.
البصرة وبحسب مقدم الشرطة تفتقر كذلك إلى مصحات تأهيلية، إذ ان هنالك مركز وأحدٌ فقط وبطاقة استيعابية لاتتجاوز 50 سريراً “بينما اعداد المتعاطين القابعين في السجون على سبيل المثال تزيد عن أربعة آلاف متعاط”.
ويقر المقدم بأن اغلاق محال بيع المشروبات والنوادي الليلة ساهم في ارتفاع نسب التعاطي والإدمان “بسبب توفر سوق خصب للمروجين يستهدفون من خلاله الشباب ويستدرجونهم لتناول هذهِ السموم بعيدا عن الأعين. نعم تناول المشروبات الكحولية عادة سيئة ومرفوضة ولا نشجع عليها اطلاقًا، لكنها اقل خطراً من حيث الإدمان، ويمكن السيطرة عليها بأية حال خلافاً للمخدرات”.
وكان العراق قد أصدر قانونا لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية رقم(50) سنة 2017، يعاقب وفقاً للمادة 28 منه كل من “يدير أو يعد أو يهيئ مكاناً لتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية بالسجن المؤبد أو المؤقت وبغرامة لا تقل عن 10 ملايين ولا تزيد عن 30 مليون دينار”.
والمادة 32 نصت على “إيقاع عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة، ولا تزيد عن ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة ملايين دينار، ولا تزيد على عشرة ملايين دينار لكل من استورد أو أنتج وصنع أو حاز أو أحرز أو اشترى مواد مخدرة أو زرع نباتا من النباتات التي ينتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية، أو اشتراها بقصد التعاطي”.
والمادة ذاتها، نصت على إيداع مدمني المخدرات او المؤثرات العقلية في . مؤسسات الصحية تنشأ لهذا الغرض، كما ألزمت كل من يثبت تعاطيه المواد المخدرة مراجعة العيادة النفسية لمساعدته في التخلص من الإدمان.
ووفقاً لمصدر طبي في البصرة، فأن مركز التعافي من الإدمان الوحيد في البصرة غير كافٍ قياساً بأعداد المدمنين الكبيرة في المحافظة، وعلى الرغم من ذلك فانه يستقبل مدمنين من محافظتي الناصرية وميسان اللتين ليس فيهما أي مركز لمعالجة المدمنين.
وذكر بأن الطاقة الاستيعابية لمركز البصرة هو 44 سرير فقط، 23 منها للرجال والأخرى للنساء، ومع ذلك استقبل خلال النصف الأول من هذا العام أكثر من ألف حالة لرجال ونساء، بمعدل رقود امتد ثلاثة أسابيع للشخص الواحد.
وكانت مصادر صحفية قد نقلت عن مدير قسم الإدمان في دائرة صحة البصرة الدكتور أمين الزامل قوله أن في سنة 2021 تمت معالجة 419 شخص مدمن على المخدرات في البصرة تراوحت أعمارهم بين 16 إلى 35 سنة، وأكد بدوره عدم قدرة المركز الوحيد في المحافظة على احتواء الأعداد المتزايدة للمدمنين، ودعا مديرية الصحة إلى توسيع المركز ليستوعب في الأقل 400 شخص.
مبتزون ومتطرفون وجهات مستفيدة
هنالك في البصرة، من يحمل أحزاباً وميليشيات نافذة، مسؤولية تفشي المخدرات، لأنها عملت مطولاً من أجل منع الكحول، بينما تغافلت وأحيانا حمت أفراد متورطين في ترويج المخدرات، لتجمع من خلالهم أموالا كبيرة، وفقاً لما يقولون.
وعن ذلك يتحدث علي العبادي، وهو رئيس مركز العراق لحقوق الأنسان في البصرة “حسب متابعتنا والجلسات الحوارية التي عقدناها ضمن ملف المخدرات في المحافظة، وبناءً على معلومات وصلتنا من قبل مصادرنا الخاصة في المؤسسة الأمنية، هناك شخصيات نافذة في المشهد السياسي واخرى تمتلك نفوذا في أجنحة وفصائل مسلحة تقوم بتسهيل دخول المخدرات الى البصرة عبر المنافذ الحدودية وهي من تروج لها”.
ويتهم العبادي الكتل السياسية في البصرة بالمشاركة بنحو مباشر أو غير مباشر في عمليات المتاجرة بالمخدرات وتهريبها، ويبين: “بالنسبة للمتورطة بنحو غير مباشر، فهي شريكة من خلال التزامها الصمت وعدم تشريع القوانين اللازمة والضغط على الحكومة المركزية للحد من هذهِ الظاهرة”.
كما يتهم المؤسسات الحكومية بالتقصير في الحد من مشكلة المخدرات التي يقول بانها متنامية في البصرة، ويعد أدوار منظمات المجتمع المدني ومراكز حقوق الأنسان والناشطين المدنيين والفرق التطوعية في مكافحتها أكبر بكثير من دورها.
ويطالب بحملة وطنية للحد من مخاطر المخدرات، لأنها كما يرى، أكثر فتكاً بالمجتمع من الجماعات الإرهابية، ويشدد: “كما سخرت الجهود لمحاربة الإرهاب، ينبغي أن تسخر للحرب ضد المخدرات”.
الباحث والكاتب غزوان كاظم مخلص، يقدم ما يعتقد بانها قرائن تدعم ما ذهب إليه علي العبادي، إذ يقول بأن البصرة كانت تشتهر خلال عقود سابقة بالنوادي الليلية ومحال بيع المشروبات في بعض مناطقها ولاسيما منطقة العشار، وتحديداً في(شارع الوطن)الذي كان مقصداً لشباب البصرة والسياح الأجانب “لكن بدأت ملامح هذا الشارع منذ نحو عقد تندثر والنوادي الليلية تغلق أبوابها بسبب المضايقات الميليشياوية والتي كانت دوافعها تتراوح بين الابتزاز المالي والتطرف الديني”.
ويشير بذلك إلى أن منع الكحول في البصرة، لم يأتِ مع صدور قانون حظر الكحول في 2023، بل قبل ذلك بكثير. ويروي كيف أن قنبلة يدوية ألقيت في صالة تقدم المشروبات الكحولية بساحة أم البروم، وسط منطقة العشار في أذار/مارس 2010 دون وقوع إصابات.
وبعدها بفترة وجيزة نسف محلٌ لبيع المشروبات الكحولية في شارع الوطن بواسطة عبوة ناسفة “بهذهِ الطريقة هددت الميليشيات باعة المشروبات الكحولية في البصرة وتم اجبارهم على غلق محالهم ونواديهم الليلية”.
ووفقاً لشهادات عديدة يقول الباحث أنه استمع اليها من باعة الكحول المتضررين في تلك الفترة، كان الهدف من تلك الاعتداءات كانت الابتزاز بالمقام الأول، فقد كانت هنالك مجاميع مسلحة تستهدفهم للحصول على نسبة من الأرباح مقابل عدم التعرض إليهم بل وحمايتهم.
كما كانت هنالك مجاميع دينية متطرفة مرتبطة بأحزاب إسلامية تنادي بغلق النوادي الليلة ومنع بيع المشروبات الروحية أو تداولها في البصرة، وان كل ما كانت تقوم به تلك المجاميع بمختلف توجهاتها، كان على مرأى ومسمع من أجهزة الأمن والحكومة المحلية التي لم تتدخل، مما يعني كما يسميه الباحث غزوان “تواطؤاً رسمياً مع المجاميع المسلحة”.
بل أن مجلس محافظة البصرة، كان سباقاً في إصدار تشريع محلي لحظر الكحول “تم التصويت على القرار في الثاني من آب 2008 وتم تحديد غرامة مقدارها خمسة ملايين دينار عراقي على كل شخص يصنع أو يستورد أو يبيع أو يشرب الكحول في مكان عام أو يستورده الى المحافظة وقد غض النظر القرار عن باعة الكحول من الطائفة المسيحية لكن دون أن تجدد لهم الحكومة المحلية رخص مزاولة المهنة”.
الساعي الأكبر حينها لصدور القرار والتصويت لتمريره داخل مجلس محافظة البصرة، كان حزب الدعوة الإسلامي، الذي كان يمثله أغلبية اعضاء مجلس محافظة البصرة، إضافة إلى حزب الفضيلة الإسلامي.
وبالعودة إلى تلك الفترة، نجد تصريحاً لنائب رئيس مجلس محافظة البصرة نصيف جاسم العبادي، أدلى به لراديو سوا، ذكر فيه مبرراً لحظر الكحول في البصرة، أن العراق بلد إسلامي، متجاهلاً بذلك الأقليات، كالمسيحيين والإيزيديين والصابئة.
الباحث غزوان، يربط ذلك، بانتشار المخدرات، ويقول: “الأحزاب الدينية لها علاقات عابرة للحدود، خصوصاً بإيران التي تعد المصدر الأول للمخدرات الى البصرة، ويبدو أن إصرار بعض الأطراف بل وعناصر في أحزاب على منع الكحول، كان بهدف ترويج المخدرات، لتمويل نفسها”.
ويرى كرار دويخل العيساوي، من شط العرب في البصرة، وهو الممثل القانوني لحملة (يلا نقرر 2030 لبصرة بلا مخدرات) أن صعوبة الحصول على المشروبات الكحولية ووفرة المواد المخدرة دفعت بالكثير من الشباب للاتجاه الى الإدمان والتعاطي.
ويتفق مع الآراء التي تذهب إلى أن حظر الكحول، ولجوء البعض إلى تناولها في الأماكن التي تعرف بالأوكار قد سهل على مروجي المخدرات مهمتهم “إنهم يستدرجونهم إلى هناك ويمدونهم بالمواد المخدرة مجاناً بداية الأمر ومن ثم يستحصلون منهم الأموال بعد ادمانهم عليها”.
بائع كحول في البصرة أخبرنا بأن اسعار المشروبات الكحولية في البصرة أصبحت ضعف ما تباع به في أماكن أخرى كبغداد أو مدن إقليم كردستان، ويصل سعر عبوة البيرة الواحدة في الوقت الحالي الى خمسة الاف دينار عراقي (3,84 دولار).
وقال البائع الذي يبيع الكحول بنحو سري لمعارفه فقط “شارب الكحول، لا يكتفي بعبوة واحدة ويصل متوسط استهلاكه إلى خمسة عبوات” ويشير بذلك إلى أن النفقات على الكحول أصبحت أعلى من النفقات على المخدرات، إذ يصل سعر الغرام من مادة الكريستال إلى 15 و 25 الف دينار عراقي( 11,53 إلى 19,22) وهي”تكفي لثلاثة أو أربعة أشخاص متعاطين، ومتوفرة بكثرة، ويمكن نقلها من مكان الى آخر بسهولة، بخلاف البيرة والعرق والويسكي والواين، فنقلها صعب جدا، وكمياتها قليلة” وفقا للبائع.
تعافٍ قبل فوات الأوان
عبدالله جاسم (19 سنة) من الحيانية في البصرة، شابٌ من ذوي البشرة ينتمي لعائلة فقيرة تسكن المناطق العشوائية، لديه سبعة أشقاء، اثنان يكبرانه وأربعة آخرون أصغر منه عمراً، يعمل والده موظفاً بلدياً، وراتبه الزهيد لم يكن ليغطي احتياجات الأسرة، فترك عبد الله الدراسة قبل أن يكمل الصف الأول المتوسط باحثا عن عمل.
تنقل الفتى بين أعمال متعددة يحصل منها على أجر يومي كالبناء وحمل البضائع في الأسواق، ومع احتكاكه بشبان يتعاطون المواد المخدرة، أدمنها، وصار يعمل فقط من أجل تأمين المال لشرائها بدلاً من مساعدة أسرته الفقيرة.
يذكر جيداً أول مرة تعاطى فيها مادة الكريستال، دعاه أصدقائه ذات يوم الى الوكر، وكان عبارة عن بيت مهجور غير مؤثث، في محلة الحيانية غربي البصرة، كانوا يستخدمونه بنحو ليلي لاحتساء الكحول وتعاطي المخدرات وتفكيك الدراجات النارية التي يسرقها بعضهم.
والمنسق لتلك السهرات، كان شاباً يبلغ من العمر 27 سنة، يدعى مجتبى “كان مسؤولاً عن توفير المخدرات للشباب هناك” يقول عبد الله، ويضيف:”في يومي الأول هناك حصلت وبصعوبة على زجاجة عرق، ولم أكن أنوي غير شرب القليل والمغادرة، لكن مجتبى طلب مني البقاء بالحاح، وقدم لي الكريستال، كان الجميع ينظرون إلي فشعرت بالخجل، وأخذتها منه وتناولتها، وكانت تلك بداية إدماني لها”.
يصف عبدالله، ما آل إليه وضعه الصحي والنفسي بعد فترة قصيرة من إدمانه على المخدرات :”جسدي كله يرتجف، وأعيش في توتر وخوف باستمرار، كان لدي استعداد لقتل أي انسان، وحتى أن أقتل نفسي. سرقت أيضاً، حيث شاركت أصدقائي بسرقة الدراجات النارية وبيعها مفككة لكي نشتري بمالها المخدرات”.
في مرحلة ما، طلب منه البعض أن يعمل مروجاً للمخدرات، وأن يجوب الأوكار لتوزيع الحبوب والكريستال، لكنه رفض ذلك. وكم يشعر بالامتنان لأن أصدقاء يقول بأنه مخلصون تمكنوا من مساعدته ليتعافى من الأدماء قبل عام ونصف العام وتحديداً في مطلع 2022، وهو يسهم الآن مع فريق تطوعي لمكافحة المخدرات في البصرة.
المخدرات أكبر التحديات في البلد
رئيس منظمة بصرياثا للثقافة الإتحادية عمار سرحان، يذكر بأن محافظة البصرة تعد أكثر محافظة عراقية فيها مدمنون ومتعاطون للمخدرات معللاً ذلك بموقعها المحادد للعديد من الدول، مما جعل منها ممراً للمخدرات، وأيضاً الفساد الذي يقول بأنه متجذر في المؤسسة الأمنية، مما يسهل الأمر على تجار ومروجي المخدرات.
يضيف على ذلك، عدم وجود نواد ليلية وحانات لبيع المشروبات الروحية “فتوجه الشباب الى تعاطي المخدرات التي تعتبر اشد خطرًا وفتكًا على المجتمع من الكحول” يؤكد عمار.
الناشطة المدنية زينب حسين، تتحدث عن تحول خطير في انتشار المخدرات يتمثل بوصولها الى المدارس، وتروي تفاصيل حادثة تابعتها بنفسها، وتعلقت بفتاة تبلغ من العمر 13 سنة، تعرفت على شاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأقنعها بترويج المخدرات بين زميلاتها الطالبات في المدرسة المتوسطة، مقابل مبالغ مالية”.
وافقت الفتاة الصغيرة مع عدم فهمها لمخاطر ما أقدمت عليه، فلا موجه لها سوى جدتها الطاعنة في السن، إذ أن والداها منفصلان، وكل منهما كون اسرة جديدة.
إدارة المدرسة اكتشفت الأمر وتعاونت مع الشرطة المجتمعية بطريقة تضمن عدم اعتقال الطفلة أو ملاحقتها قضائياً واستمرارها في الدراسة، مقابل اقناعها بإرشاد القوات الأمنية الى الشاب الذي كان يمدها بالمواد المخدرة.
وتعبر زينب عن دهشتها مما تقول أنها جرأة تجار ومروجي المخدرات في الدخول إلى مدارس الفتيات لتوزيع المخدرات فيها، بل وتجنيد طالبات للقيام بذلك، وتتساءل “كيف يتمكنون من فعل ذلك؟.. أين الإجراءات الإحترازية؟”.
أما الناشط المدني علي مهنا، من شط العرب، فيقول بأن المخدرات منتشرة في العراق وبنحو خاص في المدن الجنوبية وعلى رأسها البصرة، وان ذلك يستدعي تدخلاً فاعلاً من قبل مختلف أجهزة الدولة.
ويدعو الى كشف الأسباب الحقيقية لانتشارها ومن يقف خلفها، والإعلان وبكل صدق عن الإحصائيات الحقيقية بشأنها، وسبل المعالجة والمواجهة “وإلا فان المجتمع العراقي في طريقه للتفكك والانهيار، في ظل انتشار الفقر، ونتيجة الحدود المفتوحة واجهزة الامن المخترقة، ومع توسع شريحة الشباب المستهدفة بشكل خاص”.
وينضم المهنا في الرأي الى غالبية من قابلناهم بالاشارة الى ان غلق محال بيع الكحول والنوادي الليلية “سبب لا يمكننا تجاوزه في تفشي ظاهرة المخدرات”، خصوصاً في ظل ندرة الأماكن الترفيهية ومراكز استقطاب الشباب، ومع انتشار البطالة وضعف الأمن.
انجز التقرير بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية